اثر الانشقاق الذي حصل في كنيسة المشرق سبب خلاف نسطور بطريرك القسطنطينية وقورلس بطريرك الاسكندرية ومحاولات الوصول الى حل في مجمع افسس سنة 431 م ثم مجمع خلقيدونية سنة 451 م انقسمت ابرشيات المدن والقرى الى قسمين اخذ الشطر الاكبر بالنسطورية وكانت كرمليس في عداد من فضلوا تعاليم نسطورس على انه تقليدي
وكانت القرى المجاورة لكرمليس بغديدا وبرطلة وغيرها نسطورية لكنها هجرة المذهب بعد ذلك وامست أرثوذكسية
وأستمرت كرمليس وكنيستها بالمذهب النسطوري حتى احتلت اعلى الدرجات في كنيسة المشرق النسطورية عندما اصبحت مركز بطريركية كنيسة المشرق عام 1332 م
وقد أصبحت كرمليس مركز أسقفي قبل عام 1295 م وكذلك عام 1562 م حيث جاء أسم كرمليس كمركز أسقفي في المنشور الذي اصدره الحبر الاعظم مار بيوس الرابع مارون خلفا للبطريرك يوحنا سولاقا الذي رسم في أمد وتوفي عام 1567 م واستمر الحال عليه كما هو الى بعد غزو نادر شاه للمنطقة عام 1743 م حيث لا تزال كرمليس نسطورية
واستمرت كرمليس بالمذهب النسطوري الى ان تم ارسال البعثات التبشيرية الدومنيكية الى الموصل ومنها الى القرى التابعة للموصل وعندها ظهرت بوادر تغير المذهب النسطوري في كرمليس قبل جميع القرى المسيحية في سهل نينوى
لقد حرص الكرسي الرسولي على توثيق علاقات التفاهم والمودة بينه وبين الكنائس السريانية ( الشرقية والغربية ) وتوجه بطلب الى الرهبنة الدومنيكية للعمل في بقاع ما بين النهرين وفعلا تم ارسال النواة الاولى من الاخوة الواعضين المنتمين الى الاقاليم الدومنيكية الايطالية في عهد البابا بندكتوس الرابع عشر وكانت تتالف من الاب دومنيكو كوديليو فشيني والاب فرانشيسكو تورياني ووصل الاب دومنيكو الموصل في 10 كانون الثاني من عام 1750 م وبعد ان اثبت مهارته الطبية في الموصل استدعى الى العمادية لمعالجة بهرام باشا وتوفي في القوش في 30 ايلول 1753 ودفن في دير مار گورگيس قرب الموصل اما الاب فرانشيسكو الذي وصل الى الموصل مع الاب دومنيكو في 10 كانون الثاني 1750 قد عمل في الموصل والقوش وتلكيف وعقرة والزيبار
وقد تفانى في خدمة الناس الذين عانوا من امراض مختلفة اثر مجاعة اجتاحت البلاد عامي 1756 – 1757 وتوفي في الموصل منهوك القوى في 2 نيسان 1767 ودفن في كنيسة شمعون الصفا في مقبرة ال جليلي في عام 1754 ارسل الى الموصل الاب دومنيكو لانزا الذي اشتهر بمذكراته المعروفة في الاوساط العلمية وعين اول رئيس للأرسالية وبعد وصوله بأشهر سافر الى اسطنبول للحصول على فرمان من الباب العالي بالاعتراف الرسمي بكيان الرهبنة الدومنيكية في بلاد ما بين النهرين وقد ركز نشاطه على قره قوش وبرطلة وكرمليس واليه يعود الفضل بانضمامها الى الكثلكة ومن هنا يمكننا معرفة ان اول من قام بنشر العقيدة الكاثوليكية في كرمليس هو دومنيكو لانزا
عام 1754 حيث استطاع اقناع عدد من عوائل كرمليس النسطورية بالمذهب الكاثوليكي وقد جاء اخر الاباء الدومنيكان من هذه المجموعة وهو بادر يتسيو كارزوني الذي قدم الى الموصل عام 1762 وقد كان خلفاً للانزا في الموصل
وعندما حل كرزوني في الموصل احب اهل الموصل وكان يكثر التردد الى قراها فاجتذب كثيرا من اهلها الى الحق ويضيف الكاتب في مكان اخر ( افرام نقاشا ) اقبل الكثير من اهالي قرى اثور الى حضن الكنيسة الكاثوليكية فكانوا في بادي الامر يستغربونها فيصعب عليهم ترك رؤسائهم او يخافونهم ثم ينتبهون الضلال والجهل المستحوذ عليهم حتى تشجعوا وانضموا الى الكنيسة الجامعة في كل من عين كاوة وكرمليس ما عدا تلكيف وباطنايا والقوش وبعدها اراد البعض من اهالي بيث خديدا ( قره قوش ) ان يقتفوا اثار مجاوريهم اي الكرمليسين وقد تعلم البعض من اهالي قره قوش العقيدة الكاثوليكية من اهالي كرمليس
ويظهر ان كاثوليك كرمليس في تلك الفترة كانوا نشطاء في الفكر الكاثوليكي بحيث يقنعوا مجاوريهم بالعقيدة الكاثوليكية
ويضيف افرام نقاشا تعلم البعض من اهالي قره قوش الكثلكة من اهالي كرمليس ومن البادري كرزوني الذي وجد في تلك القرية في فترة وجود البادري كرزوني أي قبل رحيله عام 1764 وبعد أن إزداد عدد كاثوليك كرمليس طالبوا من نساطرة كرمليس أن يقوموا بشعائرهم الدينية في كنيسة القديسة بربارة فيظهر أن النساطرة رضخوا للأمر لكون القنصل الفرنسي له تأثير على السلطات العثمانية فكان الكاثوليك وقتها محسوبين على فرنسا الكاثوليكية ولهذا سموا ((فرنگايه)) في برطلة و قره قوش أي الفرنسيين وقد أصبحت كنيسة القديسة بربارة أول كنيسة كاثوليكية في العراق .
لقد كانَ كاثوليك كرمليس منذ عام 1754 وإلى عام 1764 يقومون بالصلاة في بيت إمرأة كرمليسية تدعى مريم حسب التقليد المتوارث ولهذا سمي المكان ((بيث عبادة مريم)) كنيسة مريم العذراء حالياً وقد كان المكان مخصص للصلاة الوردية لمريم العذراء .
شجعَ كاثوليك كرمليس كاثوليك قره قوش على الكثلكة حيثُ يظهر أن عشر عوائل قره قوشية أصبحت كاثوليكية وكانوا يقصدون كرمليس كل يوم أحد للصلاة والإستماع إلى القداس وكانَ أول كاهن إنضم من قره قوش إلى الكثلكة أسمهُ يوحنا القس گورگيس من عائلة حنا كثاوا وبعد أن قدم هذا الكاهن إلى كرمليس وفحص عقيدة الكاثوليك وفاوض فيها قسيس قرية كرمليس التي تجاور قره قوش عام 1761 .
نستنتج أن أهالي كرمليس كانوا شديدي الإيمان بالمذهب الكاثوليكي والدليل على ذلك تمكن القس النسطوري الكرمليسي الذي أصبح كاثوليكياً من إقناع خصمه الأرثوذوكسي القره قوشي وجعلهُ كاثوليكياً .
يُمكن القول إن العوائل الأولى في كرمليس التي أصبحت كاثوليكية كانت مؤمنة بمذهبها إيماناً صحيحاً أما بعد ذلك قد يكون تدخل عامل الإغراء المادي في ذلك وخاصةً عند حدوث المجاعة في المنطقة عام 1771.ويضيف أفرام نقاشا بعد أن فاوض القس الكرمليسي خصمه القره قوشي فيقول ( شرح له بجلي الكلام عقائد البيعة الكاثوليكية وبين له أنها تنطبق غاية الإنطباق على الحقائق الراهنة فأصاب الحديث قلبه ) .
بعد أن إنقسم المسيحيين في كرمليس إلى نساطرة و كاثوليك أصبحت المشاكل كثيرة بين الطرفين فعندما زار كرمليس الرحالة كارستن نيبور في 17آذار من عام 1766 فيقول في زيارته لكرمليس ( إن فيها 70 بيتاً (( أي ما يُقارب 210 عائلة أو أكثر )) ويضيف الرحالة قائلاً (بعد ذلك سألني أحد الكرمليسيين : إذ كان البابا رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فقط وليس رئيس الكنائس المسيحية الأخرى لقد كان الرجل كلدانياً من المذهب الكاثوليكي . ويضيف : لقد تقدم بعض النساطرة للإشتراك في الحديث وقال أحدهم للرحالة (( لقد كان من الأجدر بك يا عزيزي القس أن تبقى على دين أبائنا وأجدادنا وأن لا تتعمد على تغيير دين إخواننا وأهل مذهبنا ، لقد قمت أنت وأخرون كثيرون بالدعوة ضد بطريركتنا فوصمتموها بشتى التهم ونصبتم بدله أوربياً رئيساً على الكنيسة ثم إنك بصفتك أحد الأوربيين لا تعترف بهذا الأوربي رئيساً أعلى للكنيسة .
ويذكر الرحالة نيبور إنه تألم لأنهُ أزعج الفريقين المتناحرين (النساطرة و الكاثوليك) من خلال هذا الحديث يبدو أن نساطرة كرمليس كانوا متحملين على المبشرين وعلى كرسي روما وكانوا منزعجين لأنهم قسموا كرمليس إلى مذهبين فليس من السهل على الكرمليسي قبول مذهب جديد بعد قرون طويلة من النسطورية بل وتاريخ كنسي عريق في منطقة جميع قراها أرثوذكسية ، ويضيف نيبور : كان جميع سكان كرمليس إلى قبل سنوات قليلة خلت من النساطرة .
نهاية النسطورية في كرمليس
في عام 1772 كان كاثوليك قره قوش الذينَ كانوا مضطهدين من اليعاقبة يأتون لإستماع القداس في قرية كرمليس ولكن بعضهم كان يرغب بالصلاة في منزله على الصلاة لدى كلدان كرمليس لوجود بقايا من العادات النسطورية عندهم (( الكرمليسيين)) فقد كان يوجد على مذبح كنيسة مار گورگَيس مغطى بجلد حمار وقيل إن النساطرة تسلموا ذلك بدل الطبليف (( الصخرة )) ويشيرون بذلك إلى العفو الذي ركبه السيد المسيح .
من خلال هذا الكلام يمكننا تحديد نهاية النسطورية في كرمليس حيثُ أن كاثوليك كرمليس أخذوا كنيسة القديسة بربارة من النساطرة عام 1764 وفي عام 1772 جاء كاثوليك قره قوش للصلاة في كنيسة النساطرة (( كنيسة مار گورگَيس )) فمن المؤكد أصبحت كنيسة مار گورگيس للكاثوليك أيضاً .
نستنتج من هذا أن كرمليس أصبحت كاثوليكية بجميع عوائلها قبل عام 1772 .
السؤال الذي يطرح نفسه : ليس من السهل بعد ستة أعوام من زيارة الرحالة نيبور لكرمليس عام 1766 حيثُ كان من الواضح ثبوت نساطرة كرمليس على مذهبهم فمن المؤكد بعد أن أصبحت غالبية عوائل كرمليس كاثوليكية هاجرت عدد من عوائل نساطرة كرمليس بعد أن لم يبقى لديهم كنيسة في القرية .