الأنسان بين مطرقة الشرائع وتطبيق القوانيين
المقدمة
عاش الأنسان قديماً سنين عدة تحت وطأة العرف والتقاليد البدائيين ،،قبل أن يعرف الكتابة والتدوين ،،وحينما بدأ يتقن فن الكتابة، بدا التدوين !! خاصة حينما وجد نفسه يعيش تحت نظام حكم معين في ظل فجر السلالات وماتبعها ،حيث قدمت لنا شرائع عدة منها:شريعة حمورابي وكان حمورابي شخصية عسكرية لها القدرة الأدارية والتنظيمية والعسكرية ..وهو من الأموريين، وحمورابي حكم بابل بين عامي 1795 -1750 ق.م.. وتعتبر شريعة حمورابي أول شريعة مكتوبة في التاريخ البشري، وتعود شريعة حمورابي الى سنة 1780 ق.م ،، ومسلته الشهيرة محفوظة في متحف اللوفر بباريس........
وشريعة حمورابي وضعت لمناقشة شؤون الحياة لواجبات الأفراد وحقوقهم في المجتمع..وهي توضح قوانيين وتشريعات وعقوبات لمن يخترق القانون ،،وقد ركزت على السرقة وأتلاف الممتلكات وحقوق المرأة وحقوق الأطفال وحقوق العبيد والقتل والموت،،،وأختلفت العقوبة على حسب الطبقة التي ينحدر منها المنتهك لأحد القوانيين،، وهذه القوانيين كانت لا تقبل الأعتذار.......
وتمت الأشارة الى هذه الشريعة كأول مثال لمفهوم قانوني والتي تشير الى أنها ضرورية وأساسية ،،وبنقشها على حجر تعتبر بأنها دائمية وتتخطى قدرة الملوك على تغييرها،، والتي تعتبر أقدم وأشمل القوانيين في بلاد وادي الرافدين والعالم والتي تتضمن 282 مادة قانونية ،،ورتبت مواد المسلة في 44 حقلا وكتبت باللغة البابلية وبالخط المسماري وهي مصنوعة من حجر الدايوريت الأسود طولها 225 سم وقطرها 60 سم....ولقد ظل هذا القانون متحفظا بجوهره خمسة عشرة قرنا على الرغم مما طرأ على بابل من تغيير وما أدخل عليه من تفاصيل ..وتجدر الأشارة هنا الى أنه هناك مجموعة من الشرائع سبقت شريعة حمورابي في بلاد ما بين الرافدين منها : مخطوطة (أورنمو)، ومخطوطة(أشنونا)،ومخطوطة(لبت عشتار)،،ولكن لم يصلنا منها سوى أجزاء مبعثرة،،وتظل شريعة حمورابي منفردة لانها الأسلم في هيئتها عند أكتشافها،،بالأضافة الى أنها الأكمل والأغنى في موادها،،والأشمل في تصديها للضواهر الجتماعية ...
وكان تطور قانون حمورابي يهدف الى أستبدال الرحمة بالقسوة ،،وأستبدال العقوبات الدنيوية بما كان فيه من عقوبات دينية ،،وأستبدال الغرامات المالية بالعقوبات البدنية ،، مثلا قديما أذا أتهمت امرأة بالزنا طلب منها أن تقفز على نهر الفرات بأعتبار أن الألهة على الدوام في جانب المتهمين الأقدر على السباحة ،،فأذا نجت كانت نجاتها برهنا على برأتها،،وكان العقاب في بادئ الأمر قائم على مبدأ قانون القصاص "العين بالعين والسن بالسن" فأذا كسر أنسان لرجل شريف سنا أو فقأ له عينا حل به نفس الأذى الذي سببه لغيره !!!وحينما نمعن النظر في الاحكام فان اول ما يسترعي الانتباه انه في مواد الشريعة البالغة 282 مادة ولا مادة مخصصة لحماية الدولة والحكام،،وهذا يدل على مدى تحضر الانسان العراقي القديم وكيف كانت العدالة
الفرق بينها وبين شريعة موسى.....
النبي موسى سن لشعبه شريعة ذات أصول عامة،،،وبالتأكيدهناك تأثير لشريعة حمورابي على شريعة موسى والتوارة كيف؟؟ بحسب التلمود ولد النبي موسى بعد حمورابي ب 400 سنة ،ولكن طبعا لابد من وجود أختلافات بين القوانيين أو الشريعتين منها:-
حمورابي:- أذا سرق ثور أو حمار فعلى السارق أن يعطي 30 مثلا..
التوارة :-أذا سرق ثور أو حمارفعلى السارق أن يعطي 5 أمثال فقط،،وخاصة أذا كان فقيرا..
حمورابي:- المادة 129 _ أذا قبض على امرأة مضاجعة فيمكن أن يلقوهما في البحر!! ويمكن للزوج أن يبقى على زوجته ...
التوارة:- فليموتا كليهما (تثنية 22 :22)
حمورابي:- المادة 195_ أذا ضرب ولد والده فلتقطع يده...
التوارة:- من ضرب أباه أو أمه فليقتل قتلا (خر 21 -15 )..
ومثال أخير :- أن أبونا أبراهيم طبق قانون حمورابي من جهة هاجر حيث لم يبيعها أو وضعها في السلاسل ( أن تزوج سيد من جارية وحملت منه وولدت أولادا فلا يجوز بيعها أو سجنها : قوانييين حمورابي 148 )بل طردها ....
أما الفرق بين شريعة موسى وشريعة المسيح تتلخص في:
1:المرأة الزانية: في شريعة موسى ترجم رجماً، بينما في المسيح"قال من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر (يو8 :7 )
2:الطلاق: في شريعة موسى كل امرأة تطلق تمنح كتاب طلاق،بينما في المسيحية من طلق امرأته لغير علة الزنى يجعلها تزني
3:الزنى:قيل للقدماء لاتزنى،أما في المسيح فقال:من نظر الى امرأة فأشتهاها فقد زنى بها في قبله (متى 5 /27 -29 )
4:يوم السبت:في شريعة موسى،يقتل رجماً بالحجارة حتى الموت كل من يعمل في يوم السبت ،،،،(سفر العدد 15 /32 -36)،،،بينما في المسيح: ليس الأنسان عبداً للسبت،بل هو رب السبت—(مرقس2/27 -28)
5:قيل قديماً العين بالعين والسن بالسن،،أما المسيح قال :لاتقاوموا الشر بالشر،بل من ضربك على خدك الأيمن فحول له الأخرــ (متى5/38 ــ42)
6:تحريم أكل بعض الحيوانات في شريعة موسى،،بينما المسيح قال:ليس ما يدخل الفم هو نجس، بل مايخرج من الفم هو الذي ينجس الأنسان ـــ (متى 15/11)
7:عن المحبة: قيل قديما أحبب قريبك وأبغض عدوك، بينما المسيح قال أحبوا أعدائكم، وباركوا لاعنيكم،أحسنوا الى مبغضيكم،وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم....لكي تكونوا أبناء ابيكم الذي في السماوات، فأنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين... (متى5 /43 – 46 )
8:القتل: قيل قديما لاتقتل ،فمن يقتل يستوجب الحكم،،أما المسيح قال :كل من يغضب على أخيه باطلا يستوجب الحكم ،ومن قال لأخيه رقا يستوجب المجمع،ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم ــ (متى 5 /21 -23)
9:الحلفان: قيل لاتحنث بل أوف للرب أقسامك،أما المسيح قال:لاتحلفوا البتة،لابالسماء لانها كرسي الله،ولا بالأرض لانها موطئ قدميه،ولا بأورشليم لانها مدينة الملك العظيم،،ولا تحلف برأسك لانك لاتقدر أن تجعل شعرة منه بيضاء أو سوداء،،بل ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا.... (متى 5 /33 -37)
أذن العهد الجديد هو مكمل للعهد القديم ،،حيث قال يسوع المسيح ( لاتظنوا أني جئت لأبطل الناموس والشريعة ،، ما جئت لأنقض بل لأكمل )
الخلاصة.........
عندما طلب الجموع من المسيح ان يحكم على المرأة الزانية، أنما أرادوا بذلك أحراجه ولكنه أجابهم بأنه من منكم بلا خطيئة فليضربها بحجر،فسكتوا لعلمهم بأنه لايوجد أحد بدون خطيئة، أي لايوجد أنسان كامل،،أذن الشرائع وضعت لخدمة البشرية واعطاء كل حق حقه في الحياة، وتبين من خلال دراستنا كون شريعة موسى كانت من أجل تثبيت أقدام الكهنة والفريسيين ونريد ان ننوه أيضا بأنه لم نتطرق الى الفروقات بين المسيحية وشريعة موسى مع الشريعة الأسلامية ،بسبب الوضع الخاص ونطلب من الأختصاصيين الاخوة المسلمين أيجاد الفروقات بين ماجاء في دراستنا والشريعة الأسلامية وخاصة(المتقاربات) منها، لذلك نرى من خلال دراستنا هذه ضرورة اعتبار الشرائع ينبوع نغرف منه ماء صاف للحفاظ على نظافة فكرنا وتصرفنا وقيمنا قبل ملابسنا، ان تكون هذه الشرائع نبراساً لنا كي نعيش بأمن وأمان وطمأنينة بعيدين عن رائحة الموت والدم والقتل والثأر، نعم نؤمن بان كل شيئ وضع لسعادة الانسان والحفاظ على كرامته لذا وجوب ان تكون القوانين الوضعية خدمة لايصال الانسان الى مرتبة السمو الذي يصبو اليها وايلاء القوانين المرعية وتطبيقها مكانة خاصة لدى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان من اجل الحفاظ على كرامة الشخص البشري ومهما كان دينه ولونه وشكله، وهذا ما اكدت عليه القوانين الدولية المرعية، ليست المشكلة بالقوانين بل بطبيقها، اذن نحن امام تطور القوانين والشرائع حسب مفهوم كل دين وفكر، فأين الانسان من كل هذا؟ هل يبقى يقول نعم نعم نعم؟ ام نعم نعم ولا ولا
lena.s.hirmiz
كاتبة وطالبة حقوق
12 sep 2009
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]